من فضلك .....أقتل وليدي !!!
هكذا كان لساني ينطق .. وبتلك الكلمات القليلة القاسية إنطلقت كل علامات الجحود من داخلي .. تفضح جمود قلبي وقسوة طبعي ...
حملت صغيري في يوم قررت فيه أن أتنازل عن إنسانيتي وأخلع ثوب الرحمة وأمزق كل مشاعر الأمومة ...
نعم ....ذهبت إلى القاسي .. القاتل .. وقدمت إليه وليدي ليقتله , بل رجوته ليفعل .. ودفعت إليه رسوم شكري وتقديري لفعله .
ماهى إلا لحظات ... جمد الدم في عروقي وأنا أراه يقترب من وليدي ..ليمزقه قبل قتله ..
صدقوني .. لقد ندمت ..
ندمت أشد الندم .. ليس لإنه قتله .. ولكن لأنه مثل بجسده الصغير النحيل حيا ..!!
لقد رأيته - صغيري – وهو لا حول له ولا قوة .. رأيته ينكمش بقدمه الضعيفة ليبعدها عن حد آلته القاسية لكن لن تجدي حركته الضعيفة نفعا ...
رأيته وهو يفتح فمه ويغمض عينه ويلتف ملتويا من شدة الألم ...
والرجل أمامي .. يضحك وهو يقول ..
- أوشكنا على النجاح لم يبق غير القليل لننتهي ..
نعم .. قتلت وليدي بيدي.. وياليتني لم أراه .. ياليتني لم أفعل ...ياليتني لم أسمح لذلك السفاح أن يفعل به ما فعل
ياليتني ..
تراه .. لو جائني صغيري يوم الحساب ... كيف سينظر إلي ..؟
كيف سيراني ...؟
كيف سيذكرني .. وماذا سيقول لرب العباد عني ...؟
يالله ... ماذا فعلت بنفسي ... ماذا فعلت بقلبي ..... ماذا فعلت ..؟
كنت قادرة ... فقتلتك ياصغيري ولم أذود عنك رغم قدرتي وقوتي ...!!
فماذا أنت فاعل بي اليوم ...؟
لقد جاء اليوم الذي تحتمي فيه أنت برب العباد .. الواحد القادر ..
رب موسى وعيسى ومحمد ..جاء اليوم .. فماذا أفعل ..؟
وإلى أين المفر .. ؟
ماذا أقول له ...... ماذا أقول له ..؟ أدركني ياصغيري ..
كيف أسترحم قلبك الغض الصغير لتغفر لي .. فيغفر لي ربك ..
كيف أستعطف فؤادك فتستغفر لي ...؟
كيف أقف أمام الحكم العدل في ذلك اليوم ..؟
يوم القصاص .. يوم القضاء .. يوم الحساب .. يوم الحق ..
فبأي حق يمكنني أن أستجدي رحمتك , وأطلب عفوك , وصفحك عني .
صدقني ياصغيري .. لقد رحمتك من كيد الشيطان الذي أغواني وأعمى بصري وبصيرتي.
فماذا عساك تنتظر - لوكبرت – في ظل إمرأة مثلي ..؟
ماذا عساك أن تجد مني لو عرفت تميز معنى الظلم ؟
أكيد حينها كنت ستمقتني أكثر وأكثر من اليوم ... هكذا أنا يا صغيري ..
لا أستحق كلمة أمي , ولا أستحق أن أتوج بتاج الأمومة في يوم ...
أنا يا صغيري قاتلتك ... نعم .. أعترف بهذا ..
أعترف في يوم فيه القصاص أشد ألف مرة من قصاص الدنيا ..
الدنيا التي عشتها وحرمتك من رؤيتها , الدنيا التي حكمت علي بأن أقدمك قربان للآلات من صنع البشر لتمزقك دون رحمة , أو
شفقة , بلا حساب أو عقاب .. ودون أن يفرض علي فيها إدانة ...
وليدي ..
هل ستغفر لي , هلى سترحمني حين ترى دمعي وخوفي وهلعي من الله مما فعلت بك ؟
هل ستقبلني حين ترى قلبي ينخلع من بين ضلوعي ليعلن للعالم كله ضعفي وقوتك .. أنت الأقوى اليوم ...
أنت الأقوى .. بحجتك , وقضيتك , ومظلمتك ... وأنا ...أنا .. ماذا أقول لسيدي ومولاي وخاقي ؟؟
أعطاني ..... فمنعت ..
رزقني .....فبطرت ..
حرم غيري .. ومنحني وغمرني بفيض عطاءه ولكني ... إستغنيت .. تمردت ..وكفرت بأنعمه علي ,,
لم أعرف وقتها إنك نعمته ورحمته ومنحته لي وكثرة عطاياه ...
ولكن صدقني .. صدقني اليوم ولو للحظة واحدة فقط فيه ..
أعلم بإني لست بلسان صدق .... ولكن
أرجوك يا صغيري ...صدقني ..
ذلك اليوم , تكالبت علي الدنيا .. وتكاتفت جهود العباد لتحثني على ما فعلت .. نعم ..
الجميع كان ينظر إلي على إني مجرمة في حق مجتمعي وعالمى .. تقاليد باليه .. دمرتني وغيري كثيرات
منا من مات عنها زوجها وأنت مازلت غض صغير .. أو تركها بعد أشهر قلائل من بداية نبض قلبك وبث الروح فيك .. أو خدعها
الأنسان وغرها الشيطان وكنت أنت الضحية الوحيدة لتدفع الثمن ..
لتدفع ثمن ما إقترفته يد غيرك من آثام ..
صدقني ياصغيري .. كنت في عالم حاقد , خادع .. قاصر عن معرفة ما تعرفه أنت اليوم ..
ذهبت بك في شهرك السابع .. أردت أن أتخلص من وصم العالم لي بالعار , أو شبح الجوع والحرمان الزى يلحقني من طريق
لطريق , أو لأهرب من بؤس الحياة التي تنتظرك ..
ظننت بأني أحميك وأرحمك وأحتويك لتذوب في أحشائي من جديد , ولا أعلم ... أن العلم الذي توصل إليه الإنسان قد حوله لقاتل مأجور ..!!
ذهبت بك وقلبي يحتويك وأضلعي تحتضنك في أحشائي , أحس بضرباتك الرقيقة كما لو كانت نبض قلب آخر في جسدي ... وكأنك تثنيني عن الذهاب ..
خدعني كلام الطبيب وغرتني رقته وهو يمسك بيدي ويمسح عن جبهتي قطرات العرق ..
ليمنحني كل عطف الدنيا بيد لم تلبث غير قليل وإمتدت لك يافلذة فؤادي لتقطعك إربا دون رحمة .
صدقني .. خدعني بمظهره الإنساني , كما خدعه العلم بإنه يمسح عني بفعلته الآهات ..!!!
ياليتني لم أفعل ...
رأيتك أمامي .. مكتمل النمو .. رأيت عينك .. أنفك .. فمك .. يدك .. قدمك ..
حتى قلبك الصغير .. رأيته .. سمعت نبضه .. حتى إني سمعت صوت الماء الذي تسبح فيه بداخلي ..
يا الله .. ما أقساني .. ما أعماني .. ما أشد غلظتي ..
- إهدئي .. لن تشعري بشئ .. ما هو غير القليل من الوقت لننتهي .
كانت هذه الكلمات هى أول ما بدأ به السفاح بالشراكة معي لقتلك , تكاتفنا عليك ..
وأحضرنا ما يسهل علينا قتلك كما لو كنت جبار .. لا يمكن الخلاص منه .. كما لبوكنت شيطانا
لابد أن يستريح العالم من أنفاسك فيه .. أو صوت قدميك الصغيرة تدب فوق ثراه ..
رأيتك وأنت تذوب وتتلاشى بداخلي , رأيتك وأنت تبتعد عن حد شفرته وتحتمي بجدران كبدي وتتعلق بنياط قلبي .. لكني لم أفق من
ذلك الكابوس ولم أعي بإني أنظر إليك ياوليدي ...
كما لو كنت أرى فيلما مرعبا قاسيا , لايمكن أن يصبح في يوم من الأيام حقيقة ..
ثم أفق وعلى خدي دمعة حارة , خطت فوق وجنتي أخدودا حارقا حتى اليوم ...
أفقت على كلمة الطبيب ..
- مبروك نجح الإجهاض ...